أخذتني أمي يوم الجمعة إلى بيتِ أبيها في حارةِ أجياد وكان عامراً بالضيوفِ من الأقاربِ وأهلِ الحيِّ، وبدأتْ تعلنُ في مجلسِ النساءِ شوقها إلى حارتِها القدِيمةِ وجيرةِ الحرمِ وزحامِ السوقِ والأزقَّةِ القدِيمةِ، وأخذتْ تلمزُ ساخرةً حارَّةً "حوض البقر"، وكانت من قبل تسمِّيها حارة الحوضِ فقط، أما حين نكون في صالون بيتنا يتسرَّبُ أحياناً إلى مسامعنا صوت معازف وغناء قادماً من بيت رابحة فتنهض أمي لتغلق الشبابيك وباب الشرفة، وإذا ظهرتْ أغنيةٌ في التلفاز أطفأته، دخل أبي مرَّةً يحملُ كيساً ملوَّناً مليئاً بتماثيل صغيرة لحيوانات الغابة، كنت أنثرها في أرضِ الدهليزِ وألهو بها، وإذا انتهيتُ منها جمعتها أمي وخبأتها في حجرة الألعاب، ونهتني أن ألعبَ بها في غرفتي أو حتى أصعد بها إلى الطابقِ العلويِّ، لم أكن شغوفاً باللعب وحدي، حتى تلك السيارة الكهربائية لعبت بها أسبوعاً ثم هجرتها، كان شغفي الأكبر بالقصصِ والأغاني وحكاياتِ الناسِ والتمدُّدِ على الأريكةِ لساعاتٍ طوال أشاهد التلفاز، وفي الصباحِ أجلس عند الشرفة أراقب الحارة وأنصت إلى حوارات المارَّة وشجار الأطفال العابرين، كنت أرى حسن أحياناً يلوِّح لي في الشارع أو عند باب بيتهم، وألوِّح له بيدي أو أتجاهله.
تأسست دار ميلاد عام2015م بغرض اكتشاف ورعاية ونشر الأعمال الأدبية الجادّة التي تثري المشهد الثقافي المحلي والعالمي في مجال الرواية والقصة القصيرة والشعر والمقال والدراسات