التراث الأدبي قريب المنال، بعيده يغري القارئ، ويتأبى عليه، وبين الإغراء والتأبي مجال للقارئ ؛ لينطلق في رحابه الفيح؛ فإذا تمكن منه، رتع في رياضه. وفي غَمْرة ذلك الرّتاع ، يحتاج إلى ما يدلّه على ما استَخْفَى ويضع يده على ما استسر. وفي الطريق إلى التراث، يجدرُ أن توضع الصُّوى؛ ليتهدى بها القارئ ؛ حتى لا تُكِلَّ خطاه المواضع الوعرة، ويُطفئ طماحه لاحب لا يهتدى بمناره). وهذا الكتاب مسعى لوضع الصُّوى، التي لا يُستغنى عنها، وبعضها لا يليق الجهل به. ولعل ما دُوّن منها يُقدِرُ على الاستنباط، فيُتَهَدّى إلى الفرائد، ويُغمز على الخرائد، مع أن الإدراك الكامل، والنظرة المستوعبة الكُمْلى، أعزّ من الغراب الأبقع ونقص الإدراك سجية، لا نتعلّل بها لتسويغ النقص، بل نتعزّز بها لدفع الملامة بعد بذل الجهد، وبلوغ الغاية من النظر، ومُبْلِغ نفسٍ عُدْرَها مثلُ مُنجِحِ).