قصة الورق
89 ر.س
127 ر.سإنه لشرفٌ عظيمٌ حقًّا أن يترجمَ أحمد العَدوي كتابي «قصَّة الورق قبل ظهورِ الطِّباعة» -الصَّادر عام 2001- إلى اللغةِ العربيَّةِ. كما أنَّني سعيدٌ أيضًا أن تنشُرَ "دار أدب" هذه الترجمةَ العربيةَ، وفي هذا المظهرِ الرَّائعِ، والثَّوبِ القَشيبِ.
كثيرًا ما نُردِّد -في أيامِنا هذه- أننا نعيش في مُجتمعٍ تُظلُّه العَوْلَمةُ، حيث تنتقِلُ بعض المعلوماتِ حول العالم في جزءٍ من الثَّانية؛ إلَّا أنه غالبًا ما يكون من الصعوبةِ بمكانٍ الوصولُ إلى أنواعٍ بعينِها من المعلومات، ولا سيَّما تلك المَكنونة في بطونِ الكتبِ التقليديةِ المَطبوعةِ على الورقِ. وربما تمثَّلت صعوبةُ الوصولِ إلى ذلك الصِّنف من المعلوماتِ في نُدرةِ الكُتبِ الأجنبيَّةِ المنشورةِ في بلادٍ أخرى في المكتباتِ أو في دور بيعِ الكُتبِ المَحليَّة. بل ربَّما لم يسمَع جمهورُ القُراءِ المُهتمِّين بهذه الكُتب قطُّ، أو لعلَّهُم سمِعوا بها، إلَّا أنَّهم لم يكُن بوسعِهم الوصول إليها. وحتى لو كان بمَقدورِهم الوصولُ إليها، فقد لا يكون بإمكانِهم قراءتها بسَلاسةٍ لاختلافِ اللغةِ التي كُتِبَت بها.
وعلى الرَّغم من أنَّ كتابي هذا قد تناول الدَّورَ المِحوريَّ الذي لعبَه الورقُ في تطورِ الحضارةِ في العالم الإسلامي -والكيفيةُ التي نقَل المسلمون المعرفةَ بالورقِ وصناعتِه من شرق آسيا إلى غرب أوروبا في القرونِ الوسطى- فإنَّ عمومُ القرَّاء في المِنطقة التي تناولَها بالدِّراسة لا يكادون يعرفونه! وذلك على الرَّغم من صدورِ ترجمةٍ تُركيَّةٍ للكتاب في عام 2003. ويحدوني الأملُ في أن تصبحَ هذه الترجمةُ العربيةُ مُتاحةً على نطاقٍ واسعٍ لجمهورِ القرَّاء العربِ، ومعروفةً لهم. وأن تُلهم جيلًا جديدًا منهم تقديرَ الدورِ الحاسمِ الذي لعِبته المجتمعاتُ الإسلاميةُ في الحضارةِ الإنسانيةِ، عندما استخدَمت الورقَ وسيلةً للتواصُلِ البَشري.
قد أُلهِمَتُ دراسةَ هذا الموضوع عرَضًا، في غضونِ العقدِ الأخير من القرنِ المُنصرِم، عندما تساءلتُ ذات يومٍ -وأنا مؤرخٌ للفنِّ والعِمارةِ الإسلاميَّة- عمَّا إذا كان المُهندسون والبنَّاؤون في ديارِ الإسلامِ في القرون الوسطى قد استخدموا المُخطَّطات الهندسيَّة في تَصميمِ مبانيهم التي شيَّدوها. وعلى فرضِ أنهم استَخدَموا مثل تلك المخطَّطات الهندسيَّة، فما هي الأدلةُ على وجودِها؟ وما هي النَّتائج التي قد تُستخلصُ من إثباتِ هذه الفرضيَّة؟ وهكذا تجسَّدت أجوبةُ هذه الأسئلةِ البسيطةِ أوَّلًا في شكلِ مقالاتٍ، ثم قادتني تلك الأجوبةُ نفسُها إلى تقديم مُقترحٍ لمطبعة جامعة يل (Yale University Press) يقضي بتأليفِ كتابٍ في هذا الموضوع.
وأثارت الفِكرةُ اهتمامَ النَّاشرِ بالفِعل، إلَّا أنَّه اقترح عليَّ -في بادئ الأمرِ- أن أكتبَ تاريخًا عالميًّا للورقِ، بدلًا من التَّركيزِ على العالم الإسلامي فحسب. وعلى هذا النَّحو أعددتُ مخطوطةَ الكتابِ -نزولًا على رغبةِ النَّاشر- على كَرهٍ منِّي، وسَلَّمتُها له. بيد أن عضوًا من أعضاءِ من الهيئةِ الاستشاريةِ -ولستُ أعرفه- علَّق قائلًا: إنه سيغدو من الأفضلِ لو ركَّز المؤلِّفُ على العالمِ الإسلاميِّ فحسب. وعلى هذا النَّحو أعدتُ كتابةَ الكتابِ برمَّتِه، وبالطَّريقةِ التي خطَّطتُ لها منذ البدايةِ. وربَّ ضارةٍ نافعة، فقد جاء الكتابُ في صورتِه النِّهائيةِ أفضل، وذلك نتيجةً لإعادةِ كتابتِه، وإعادةِ هيكلتِه أكثر من مرَّةٍ.
وقد أسْعَدني حقًّا أن أرى هذا الكتابَ -الذي صدَر منذ نحو 20 عامًا- قد ألهَم الباحثين في أمريكا وأوروبَّا البحثَ والتوسُّعَ في بعض القضايا التي أثارها. وإنَّني أتطلَّع شوقًا إلى رؤيةِ الكيفيَّةِ التي سيقدِّرُ بها قُرَّاء هذه التَّرجمةِ العربيَّةِ ذلك الدَّورَ المَنسِيَّ لـ «الورق قبل ظهورِ الطِّباعةِ».
المؤلف/ جوناثان بلوم
(أدب) مؤسسة ثقافية إعلامية تعنى بمشاريع توثيق ورصد ونشر الأدب العربي والأدب العالمي، مهتمة بتنمية الوعي والفكر الإنساني. ويتبع لها دار أدب للنشر والتوزيع ، ومقهى أدب (لوركا كافيه).