

دمعة غرناطة - أحمد السبيت
46 ر.س
يمكنُ أن يُقالَ: إنَّ أغلبَ ما كُتِبَ في الفنِّ الروائيِّ العربيِّ هوَ أن يبتكرَ الكاتبُ شخصيّاتِ روايتِهِ وأحداثَها ابتكارًا، فإنِ استعانَ بالواقعِ فلصالحِ الخيالِ الذي سيّدَهُ في الروايةِ، هذا من جهة.
من جهةٍ أخرى، يمكنُ القولُ أيضًا إنّ الروايةَ العربيةَ اهتمّتْ -في قسمٍ كبيرٍ ممّا أنتجتْهُ- بما يجري من أحداثٍ (متخيَّلَةٍ طبعًا ومغمَّسةٍ بالواقعِ) مستوحاةٍ منَ التاريخِ الحديثِ والمعاصرِ.
ما حصلَ في "دمعةُ غرناطةَ" أنّ الكاتبَ استفادَ بذكاءٍ من التراثِ الأدبيِّ العربيِّ أشخاصًا وأحداثًا، فيكادُ يكونُ كلُّ ما جاءَ في الروايةِ هوَ ما قدْ حصلَ فعلًا مع البطلِ الرئيسِ، وهوَ الأديبُ لسانُ الدينِ بن الخطيب.
وفي هذهِ الواقعية التي ارتبطتْ بسيرةِ لسان الدّين الذاتيةِ، لم يتخلَّ الروائيُّ أحمد حمد السبيت عن الشرائطِ أو الضوابطِ العلميةِ التي حدَّدَها المعنيُّونَ بتقنياتِ الفنِّ الروائيِّ، فجاءَ نصُّهُ الإبداعيُّ منسابًا معَ تلكَ التقنيات، ومتضمِّنًا حُزمةً من العناصرِ التي أشيعَ أنّها مقوّماتُ العملِ الروائيِّ، من سردٍ فنّيٍّ وحوارٍ، وسقفٍ واضحٍ منَ الزمانِ والمكانِ، تُعلَّقُ تحتَهُ ثرياتٌ كثيرةٌ من الحكاياتِ والأفكارِ والاستطراداتِ والإحالاتِ والتنصيصاتِ التي تشكّلُ بمجموعِها صورةَ العمل الكتابيّ الكبرى المسمى: رواية.
ولعلَّ من الضرورةِ الإشارةَ إلى ملمحٍ مهمٍّ من ملامحِ هذهِ الروايةِ، وهو أنَّ الكاتبَ حاولَ - ونجحَ في ذلكَ- أن يرحِّلَ النمطَ الأدبيَّ، المعروفَ بأدبِ المذكراتِ أو السيرةِ الشخصيةِ، من دائرتِهِ المعاصرةِ إلى حقلِ التراثِ، ويكونُ بهذا قد دمجَ الحاضرَ بالماضي دمجًا أدبيًّا، وكأنَّهُ يريدُ للتراثِ أن يعاصَرَ فنّيًّا، وللحداثةِ أن تحميَ بالتراثِ نفسَها من آفةِ الانفلاتِ والعشوائيةِ.
التقييمات الواقعية (2)
عرض الكل 
 
