- الرئيسية
- الأذكار النووية
الأذكار النووية
69 ر.س
للإمام النووي، أبي زكريا يحيى بن شرف الدمشقي
تحقيق وتعليق / د. عامر بن علي ياسين
المُقَدِّمَة
إنَّ الحمد لله ؛ نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعينُهُ، ونَسْتغْفِرُه ، ونَعوذُ باللهِ مِن شُرورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعْمالِنا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ ؛ فلا هادي له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له، وأشْهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد؛ فَما أظُنُّني أُفْشي سِرًّا ولا أُغْضِبُ بَرًّا لو قُلْتُ: إِنَّ الإمام النووي رحمةُ اللهِ عليهِ لمْ يَكُنْ أعظم علماء عصره علما ، ولا أكثرَهُم حِفْظًا وتَحْصيلا، ولا أَوْسَعَهُم تَطوافًا وتَفَتُنا في علوم الشَّريعة ... وما أظُنُّكَ تَحْتاجُ لطولِ تَنْقيب وتفتيش حتَّى تَجِدَ عددًا غير قليلٍ مِمَّن فاقَهُ مِن أهلِ العلمِ في مُخْتَلِفِ فُنونِ الشَّريعة، سواءٌ مِمَّن سَبَقَهُ أو عاصَرَهُ أو لَحِقَه .
ولكنَّ اللهَ جَلَّت حِكْمَتُهُ وتَعالَتْ قُدْرَتُهُ قدِ اخْتَصَّ هذا الإمامَ دونَ غيرِهِ بمزيدٍ من المَحَبَّةِ والإجلالِ الْقاهُما لهُ في قُلوبِ المسلمين على اخْتِلافِ مَشارِبهم، ووَضَعَ لمؤلَّفاتِهِ قَبولا ورضى في هذه الأرضِ ما حَظِيَ بها ولا بِنَصيفها كثيرٌ مِن المؤلَّفاتِ الفَذَّةِ التي جَمَعَ مؤلِّفُوها فأَوْعَوْا ... ربَّما كانَ السِّرُّ في ذلك : أنَّ كُتُبَ هذا الإمام قد عَرَضَتْ جُمَلًا مِن فنون العلم المُخْتَلِفَةِ وفوائدِهِ الغزيرَةِ في قالب سَلِس يسير عذبِ العبارةِ، لا يَتَمَنَّعُ على طالبه، بعيد عن التفاصح والتكلُّفِ والتَّنطع والتَّشدق بالمسائلِ المُشكلةِ التي تَسْتَعْصي على الأذهان، مِمَّا أَوْرَثَها عُموميَّةً وانتشارًا واسعًا بينَ النَّاس ... ربما كان وراء ذلك إخلاص في العمل وتجريد الله وحدَهُ بالقصدِ يَعِزُّ نظيرُه ... ربَّما كان وراء ذلك صِدْقُ هذا الإمام في نُصْحِهِ للخَلْقِ وحِرْصُهُ وتفانيه في نَفْعِهِم ودلالتهم على مصالحهم ... وكتابُ تُحْفَة الأبرار وشِعار الأخيار في اختصار الدَّعَوات والأذكار» هو واحد مِنْ مُصَنَّفات هذا الإمام التي تَلَقَّاها أهلُ العلمِ بالقبول والرضى، وأَوْصَوْا بها تلامذتهم، فأقبل عليها طُلَّابُ العلمِ بالدَّرْسِ والاسْتِحْفاظ، وانْتَشَرَتْ بينَ العَامَّة، وكَثُرَ تَداوُلُها، حتّى فاقَتْ ما سَبَقَها وما لَحِقَّها مِن المُصَّنفاتِ في الباب، وغَفَّت عليها، وغَلَبَ عليها اسم البابِ، فلا تُعْرَفُ في أكثر الأوساط إلا بـ «الأذكار»، ولا من خلالها .
تُعْرَفُ الأذكارُ إِلَّا وإِنَّكَ لَعالمٌ حَقَّ العلم أنَّ النسخة التي بينَ يَدَيْكَ الآنَ ليستْ بالطَّبعة الأولى ولا بالإصدار الأول للكتاب ؛ بل قد سَبَقَتْها طَبَعات وإصدارات، ومنها طبعاتٌ عُني بها جماعةٌ ممَّن أُحِبُّهُم وأقَدِّرُ جُهودَهم من أهل العلم وطلابه .....
لكنْ لا رَيْبَ أَنَّ القارِئَ الحَصيفَ سَيُدْرِكُ بعدَ أنْ يَقْطَعَ شَوْطًا يَسِيرًا في مُطالعتِهِ لمادَّةِ الأذكارِ ويَتَّصِلَ بِها ويُعانيها معاناة الرَّاجي للنَّفْع والفائدةِ، سَيُدْرِكُ أَنَّ تلك الطَّبَعَاتِ السَّابِقَةَ لم تُسَهِّلْ عَلَيَّ مُهِمَّةَ تقديم هذِهِ الطَّبْعَةِ إطلاقا ؛ بَلْ لَعَلَّها زادَتْ مُهمَّتِي صُعوبةً ومَشَقَّةٌ وحَرَجًا، وذلكَ لرَغْبَتي المُلِحَةِ فِي السَّيْرِ بهذا الكتاب في دَرَجاتِ الكمال، ولِيَقيني بأنَّ الطَّبَعاتِ الجَديدة لا تعدو أن تَكونَ ضَيْفا ثقيلا على المَكْتَبَةِ الإسلاميَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فيها وفاء بحاجةِ القارئ المُعاصِرِ ومزيدٌ مِن الدِّقَةِ والإتقان والتحرير . . . كانَ عَمَلًا دووبا ... وكانَ صَبْرًا جَمِيلًا ... وكانَتْ هذه الطبعة .
۱ - فَسَلامَةُ المَتْنِ - الذي هو غايةُ الكِتاب التي ما وَراءَها غايَةٌ، وحادي المُقْتَني، وقِبْلَةُ القارِئ - وحُسْنُ إخراجه وتقديمِهِ كانتِ ابْتِدَاء مَحَطَّ النَّظَر وغايةَ المَقْصِدِ، فالقارئُ إِنَّمَا اقْتَنى الأذكار» لـ «الأذكار» قبلَ كُلِّ شيءٍ
وقدِ اعْتَمَدْتُ في سبيل هذهِ المُهِمَّةِ على ثلاثةِ مِن أفضل المطبوعاتِ المُتَوَفِّرة للكتاب، فكُلُّ منها قد قُرِئَ على أكثرَ مِن نسخةٍ خَطْيَّةٍ، وأُشير في إحداها إلى فروقِ النسخ في الحاشية. ثمَّ رأيتُ ابنَ عَلَّانَ قدِ اسْتَوْعَبَ عُظْمَ مادَّةِ «الأذكار» ومُعْظَمَها في تضاعيف شرحِهِ : الفتوحات الرَّبَّانِيَّة على الأذكار النواوية»، فأفَدْتُ فائدةً جَمَّةً، فهذه نسخةٌ قديمةٌ لمْ تَمْتَدَّ إليها يدُ التَّحريف والتبديل؛ بل نَقَلَها الشَّارِحُ بأمانة تامَّةٍ، وأشارَ - زيادةً على ذلكَ - في أثناء شرحِهِ إلى ما وَقَفَ عليه من فروق من ذلك المخطوطات.
وعلى أنَّ فيما تَقَدَّمَ مِن الأصولِ كفايةٌ إلَّا أنَّ القلب لم يَنشَرحُ والنَّفْسَ لم تَطْمَئِنَّ في أكثر الأحاديثِ إِلَّا بِمُراجَعَتِها على مصادرِ التَّخريج من الصحاح والسننِ زيادة في الضَّبطِ والتَّحرير، فعاد ذلك على الكِتاب بفَوائِدَ جَمَّةٍ، وَوَقَفْتُ مِن خلالِهِ عَلى جُمْلَةٍ غير قليلةٍ مِن السَّقَطاتِ والتَّحْريفاتِ والتّضحيفاتِ القديمة والحديثة، التي تَلاحَقَتْ عَلَيْها طَبَعاتُ الكِتابِ المُخْتَلِفَة، وانْطَلَتْ على النساخ والمحققين والطابعين، وفيهمُ ابنُ عَلَّانَ نفسه .
هذا ؛ ولقد أثْبَتُ في المَتْنِ دائما ما تَرَبَّحَ لي أنَّه الحَقُّ وَالصَّوابُ ؛ لاتفاقِهِ معَ من مصادر التخريج تارةً، أو إطباق أكثريَّةِ الأصول عليه تارةً أخرى ... أو ذلك عواملِ التَّرجيح، وغالبًا ما أشير في الحاشية إلى ما في الأصول الأخرى، اللَّهُمَّ ! إلا إذا كانَ مِن الفُروقِ البسيطة التي لا يُعْتَدُّ بها كَزيادة » أو لفظة «آلِهِ» فيها أو «تعالى» . . . أو ... أو نحو ذلك . وعلى كُلِّ؛ فقد كانتِ الفُروقُ بِمُخْتَلِفِ أنواعها قليلةً نِسْبِيًّا، وذلكَ نَظَرًا لِكَثْرَةِ تداول الكتابِ وانْتِشارِ نُسَخِهِ.
٢ - ثمَّ عُنيتُ بعد ذلك عناية بالغة بعلاماتِ الوَقفِ الفواصل والنُّقاط...)، ولمْ أعْتَمِدٌ على أحدٍ ممَّن سَبَقَني في هذا في شيءٍ، وذلك لما أراه مِن أهَمِّيَّةِ هذا العنصر وضرورة تنظيمِهِ لإعانة القارئ على فهم ما هنالك.
٣ - ثمَّ عُنِيتُ عناية زائدة بضبط النَّصَّ بعلاماتِ الترقيم (الفتحات والصَّمَّات ...) ، ولم أقْتَصِرْ في ذلكَ على كلام النبي ، ولا على أواخر الكَلِماتِ ؛ بل عَمَّمْتُهُ على جميع النَّص ، فإنَّ ذلك جَدُّ ضروري، ولا سيما في هذه الأيام التي اسْتَعْجَمَتْ فيها أَلْسِنَةُ الجيل - بل والله أساتذة الجيل ومُدرسيه ، وأصبحَ اللَّحْنُ سِمَةَ السَّوادِ الأعظم فيه. وهذا أمرٌ لمْ أُسْبَقْ إليه على ضرورتِهِ، فقد جاءَ المتنُ في مُخْتَلِفِ المطبوعاتِ غُفْلًا عن علاماتِ التَّرقيم، واكتفي في بعضها بضبط نُصوص الآياتِ والأحاديثِ معَ أنَّ حاجةَ القارِئ لضبط كلام المُؤلِّفِ لا تَقِلُّ عن حاجتِهِ لضَبْطِ نُصوص الآياتِ والأحاديث إن لم تزد عنها. ولم أَعْتَمِد على شيءٍ مِن المطبوعات في هذا أيضًا، وإنما على قَلَمي وعَوْدَتي المُتَكَرِّرَةِ إلى مصادر التخريج، فكانَ لذلِكَ أثرُهُ الطَّيِّبُ في اسْتِنْصالِ جُملةٍ مِن الأخطاء التي تَتَابَعَتْ عَلَيْهَا المطبوعات السابقة .