للامام ابن سعدي المقدمة
الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له ; وأشهد أن لا إله غير الله , وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما. أما بعد , فهذه رسالة تتضمن البراهين القواطع الدالة على أن الدين الإسلامي وعلومه وأعماله وتوجيهاته جمعت كل خير ورحمة وهداية , وصلاح وإصلاح مطلق لجميع الأحوال , وأن العلوم الكونية والفنون العصرية الصحيحة النافعة داخلة في ضمن علوم الدين , وأعماله ليست منافية لها , كما زعم الجاهلون والماديون , ولا جاءت الفنون العصرية النافعة بشيء جديد , كما ظنه الجاهلون أو المتجاهلون , بل النافع منها للدين والدنيا وللجماعات والأفراد داخل في الدين , والدين قد دل عليه وأرشد الخلق إليه وإلى كل أمر نافع إلى أن تقوم الساعة ; وبيان أن الفنون العصرية - إذا لم تبن على الدين وتربط به - فضررها أكثر من نفعها , وشرها أكبر من خيرها , ولكن هذا الأصل الكبير يحتاج إلى أمرين: أحدهما معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة إجمالا وتفصيلا. والثاني معرفة بالأمور الواقعة والحقائق الصحيحة التي يعرفها ويعترف بها العقلاء المنصفون , فمتى عرف الإنسان الأمرين عرف أنه لا يشذ عن علوم الدين الإسلامي , وأعماله وفنونه شيء فيه خير وصلاح أصلا , واستدل العارف بكل من الأمرين على الآخر , وعرف أن النقص بالإخلال بهما أو بأحدهما , ومتى عرفت الأصول الكلية ردت إليها الجزئيات , ومتى تكلم متكلم بشيء من الجزئيات قبل أن يعرف الكليات حصل الغلط الفاحش وقامت الشبه التي لا تروج إلا على الجاهلين , أو يروجها المعاندون.