شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 3/1

لبهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن ابن عقيل

على الفية ابن مالك

حققه وعلق عليه محمد بن علي بن ونيس

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

اللَّهُمَّ إنا نحمدك على ما علمت ونشكرك على ما أنعمت، ونستوهب منك علما نافعًا يزلف إليك وعملا صالحًا نرجو به الخلاص بين يديك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك . ولا نجاة إلا لمعتصم بحبلك، لائذ بجنابك، ونسألك أن تصلي على خيرتك من خلقك القائم من تبليغ رسالتك بواجب حقك الذي بعثته إلى جميع العالمين بلسان عربي مبين، محمد نبيك وعبدك ورحمتك المهداة إلينا من عندك وعلى آله الذين أعانوا وآزروا، وآووا ونصروا من أجلك وفي ذاتك وابتغاء مرضاتك، حتى قام دينك دين الحق على ساق واتسق شمله أي اتساق، وسلم تسليمًا (۱).

أما بعد :

فقد أثرى علماؤنا الأفذاذ وأسلافنا الجهابذة المكتبة بتراث عظيم يتمثل في هذا الزخم العاطر والكم الهائل من المؤلفات والمصنفات في مختلف فنون المعرفة وضروب العلم، ولكن هذه الأسفار العظام والكتب قابعة في ظلمات الخزائن تهيل عليها السنون مزيدًا من النسيان، لذا؛ فإن تحقيق المخطوطات وبعثها وإخراج كنوزها وفض غبار السنين عنها وإتاحة الفرصة لها لترى النور من أعظم الخدمات التي تقدم للتراث. ومن أهم العلوم التي يجب على المتصدي لعلوم الشريعة أن يتعلمها : علم لغة العرب بفروعه المختلفة من نحو وصرف وبلاغة وشعر وغير ذلك.

فاللغة العربية وسيلة لفهم كلام الله وكلام رسوله ، فاللغة العربية الوسيلة للوصول إلى أسرارهما، وفهم دقائقهما، وارتباط اللغة العربية بهذا الكتابِ المُنَزَّل المحفوظ جعلها محفوظةً ما دام محفوظا، فارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم كان سببا في بقائها وانتشارها . يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلموا العربية؛ فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائضَ ؛ فإنها من دينكم» (۱) .

قال ابن تيمية : فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسُّنَّة ،فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ... لأن الدين فيه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السُّنَّة فقه أعماله» (٢) .

ويقول الرازي: «لما كان المرجعُ في معرفة شرعنا إلى القرآنِ والأخبار، وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم، كان العلم بشرعنا موقوفا على العلم بهذه الأمور ، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به ـ وكان مقدورًا للمكلف - فهو (واجب) (۳) .

وقد جرت سُنَّة العلماء قديمًا وحديثًا على نظم العلوم في أراجيز ليسهل حفظها، ويتيسر للطلاب استحضار ما اشتملت عليه من أحكام العلوم .

ولما كانت هذا الأراجيز تتسم بالإيجاز والاختصار، ويتقيد ناظمها بالقافية أحيانًا فتقصُرُ عبارته في النظم عن الوفاء بكامل المعنى؛ جاءت العلماء لتلك الأراجيز لتبين معانيها، وذلك بتقييد مطلقها وتخصيص شروح عامها وإيضاح مبهمها وغير ذلك مما في الشروح والحواشي .

ومن أهم المنظومات في علمي النحو والصرف المنظومة المشهورة بـ «ألفية ابن مالك واسمها: «الخلاصة»، لكنها اشتهرت بهذا الاسم، وغلب الاستعمال لها .

وهي بمثابة الاختصار لمنظومة أكبر منها لابن مالك أيضًا، الكافية الشافية، وعدد أبياتها (۳۰۰۰) تقريباً ، لكنها وفت بالمقصود، وذاعت وانتشرت وتلقاها الناس بالقبول .

ومن أفضل شروح الألفية وأشهرها وأسهلها شرح ابن عقيل النحوي، فهو الشرح الذي درج غالب طلاب العربية على العكوف عليه، سواء كان ذلك في الدراسة الفردية أو الدراسة النظامية، وذلك في المعاهد والجامعات وغيرها .

ومن أهم شروح الألفية:

۱ - شرح ابنه بدر الدين محمد بن محمد ت٦٨٦هـ) وقد اشتهر هذا الشرح بشرح ابن الناظم وقد تعقب ابن الناظم أباه كثيرًا كما في أبواب المفعول المطلق والتنازع والصفة المشبهة وربما حمله هذا التعقب على الإتيان ببيت بدل بيت الناظم إلا أنّ شرَّاح الألفية من بعده تصدوا للرد عليه، وقد يلجأ ابن الناظم إلى الاستشهاد بأشعار المحدثين، وقد وضع العديد من النحاة الحواشي والتعليقات على شرح ابن الناظم كما فعل ابن جماعة والعيني والسيوطي وزكريا الأنصاري وغيرهم.

۲ - شرح شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الله المعروف بابن الحشاش الجزري (ت ۷۱۱ هـ) وقد سمى شرحه : كاشف الخصاصة عن

ألفاظ الخلاصة .

٣ ـ شرح أثير الدين محمد بن يوسف بن علي الغرناطي المعروف بأبي حيان الأندلسي (ت) ٧٤٥هـ) وأسماه : منهج السالك في ألفية ابن مالك»، وقد توفي عنه ولم يكمله.

٤ - شرح إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى : (۷۹۰هـ) المعروف بـ المقاصد الشافية العالية فيحان

5- شرح أبو زيد عبد الرحمن بن علي المكودي (ت٨٠٧هـ) وهو من علماء المغرب، وقد قامت الدكتورة فاطمة الراجحي من جامعة الكويت بتحقيقه وإخراجه سنة ۱۹۹۳م، وهو من الشروح الميسرة التي تخلصت من الحشو والتفريع والإغراق في الآراء الخلافية .

6 - شرح المرادي الحسن بن قاسم المصري (ت٧٤٩هـ) المسمى : توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك».

7- شرح جمال الدين عبد الله بن يوسف المعروف بابن هشام الأنصاري (ت ٧٦١هـ) وأسماه : أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك.

8- شرح محمد بن أحمد بن جابر الضرير الأندلسي (ت٧٨٠هـ).

۹ - شرح ابن عقيل أبو عبد الله بهاء الدين الحلبي (ت٧٦٩هـ) وهو الأشهر ويمتاز هذا الشرح بالسهولة والوضوح وليس مبالغة أن يقال: إنَّ هذا الشرح هو الذي أرشد العديد من طلاب النحو إلى معرفة المراد من الألفية، ويتجلى في هذا الشرح موافقة الشارح للناظم، وقد وُضعت حواش عديدة على هذا الشرح منها حاشية ابن الميت وحاشية عطية الأجهوري وحاشية السجاعي وحاشية الخضري وغيرها كثير ، وقد تصدى الشيخ محمد الدين عبد الحميد لتحقيق ونشر هذا الكتاب .

۱۰ - شرح الأشموني أبو الحسن علي بن محمد (ت٩١٨هـ) الذي أسماه منهج السالك إلى ألفية ابن مالك وهو أغزر الشروح مادةً وشواهدًا، ومن أوفى كتب النحو جمعًا للمذاهب النحوية وتعقبا لتعليلاتهم وشواهدهم .

۱۱ - شرح جلال الدين السيوطي (ت ۹۱۱هـ) المسمى: البهجة المرضية في شرح الألفية»، وكان السيوطي لله من أكابر علماء العربية،

وله إضافة إلى هذا الشرح أكثر من تعليق وحاشية على الألفية وشروحها، وكان قد بلغ مبلغا سامقًا في علوم العربية ومنها علم النحو، وقد تحدث عن نفسه قائلا : رزقت التبحر في سبعة علوم التفسير، والحديث، والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة (۱) .

ومع كثرة هذه الشروح ومكانة شراحها العلمية؛ لم يكتب لها الانتشار والقبول بين الناس كما كُتب لشرح ابن عقيل ولعل مرجع هذا إلى اختصار العبارة ووضوحها وجودة ترتيبها مع اقتصاره على الأمور الخلافية دون الدخول في تفاصيلها المذكورة في كتب الخلاف .

ولذلك كان مثل هذا الكتاب يحتاج إلى عناية تحقيقية خاصة، فقمنا فيه بالآتي:

أولًا: تمت مقابلة الكتاب على ست نسخ خطية؛ للوصول إلى أقوم نص يغلب على الظن أن الشارح قد كتبه .

ثانيًا: تم ضبط نص الشرح ونص الألفية ضبطا كاملا؛ تسهيلا لقراءتها على الطلاب.

ثالثًا : ا تم التعليق على الكتاب بما يتناسب مع المواضع، وذلك من الشروح والحواشي التي تشتمل على تقييدات وتوضيحات يحتاج إليها الشرح .

رابعا : قمنا بإثبات تعليقات كثيرة للشيخ محمد محيي عبد الحميد على الألفية، لا سيما التي لا يستغني الكتاب عنها .

خامسًا: قمنا بعمل عناوين على أطراف الصفحات لكل فقرة من الشرح أو التعليقات التي قمنا بكتابتها على هامش الشرح.

سادسًا: قمنا بعمل فهرس موضوعي للكتاب والحواشي. ولا يسعني في النهاية إلا أن أحمد الله تعالى وأشكره، على ما أولانا من نعمة خدمة كتب العلم ودوام النظر فيها والسعي في تسهيلها على الطلاب، ولا شك ان هذه نعمة عظيمة تستحق دوام الشكر وأعظم الحمد.

هذه فيا رب . يرجوك، يستغيث بك، يستغفرك يسترحمك أن تكتب لنا في صحائفنا القبول، وأن ترزقنا العمل الصالح بعد العلم النافع، وأن تنفع بهذا الكتاب وغيره الإسلام والمسلمين ... آمین آمین آمین

تكتب، ومن ورائها قلب يدعوك، يشكرك، وصلى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

وكتبه أفقر العباد إلى رحمة الله وعفوه

د. علي محمد ونيس

مصر المحروسة - القليوبية - طوخ - أجهور الكبرى في يوم الجمعة ۱۲ من شهر صفر ١٤٤٠هـ