القافية بين التأصيل النظري والتطبيق

تأليف د ابراهيم محمد ابراهيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وبعد : فإن القافية ركن هام من أركان الشعر العربي، بل هي القمة الموسيقية لأوزان هذا الشعر، ولذا كانت دراستها مهمة جدا لا تقل أهمية عن دراسة الشعر، الذي هو ديوان العرب دون ما عداه من فنون القول الأخرى ، وسوف تظل القافية كذلك مهمـا عـدت عليها عوادي الزمن ، ومهما علت الدعوات إلى التحرر منها والخروج عليها ، وما هذا التحرر في حقيقته إلا تطور في القافية ، فما هو إلا تحرر من الروى، أما باقي أجزاء القافية من تأسيس وردف ووصل وخروج فهي باقية قائمة لم يستطع الشعر المسمى بالحر أن يتحرر منها تماماً أو يخرج عنها كلية وما دامت هذه الأجزاء باقية فإنها تشهد ببقاء القافية . من هنا جاءت هذه الدراسة للقافية متخذة من الشعر العربي في عصره الجاهلي، وهو العصر الأول من عصور هذا الشعر، مجالاً لتطبيق قواعد هذا العلم - علم القافية - هذا الشعر الجاهلي الذي كان أمام الخليل بن أحمد - رحمه الله - أثناء استنباطه لمسائله ، وتقعيده لقواعده، وخاصة أنه قد يداخل الإنسان شك ما في أن الخليل قد استنبط كل ما استنبطه من الشعر ، بل قد يتوهم متوهم أن الخليل قد أعمل فكره وخياله ووضع قواعد خيالية ليس لها ما يشهد لها من الشعر العربي ، ثم أخذ يصنع لها شواهد، وربما يتأكد وهم هذا المتوهم شيئاً ما عندما يرى أن أكثر شواهد العروض والقافية تدور في معظم – إن لم يكن كل - كتب العروض القديمة ، وأن كثيراً من هذه الشواهد لا تنسب إلى قائل معين ، فجاءت أهمية الدراسة التطبيقية المتخذة من ذلك الشعر مجالاً لها لتثبت أن ما استنبطه الخليل من استنباطات وما قعده من قواعد لم يكن من صنع الخيال ، بل الواقع يؤكده ويمكن الاستشهاد عليه بشواهد كثيرة من الشعر العربي الأصيل الذي أنشأه العربي الجاهلي قبل أن يستنبط الخليل قواعده ، وقبل أن يضع علمه. وكان النموذج المختار من هذا الشعر الجاهلي امرأ القيس بالذات ؛ فهو أمير الشعراء وإمامهم وحامل لوائهم ، وكما قيل بدأ الشعر بكندة وختم بكندة - يعنون امرأ القيس والمتنبي - وقيل : بدئ

الشعر بملك وختم بملك - يعنون امرأ القيس وأبا فراس الحمداني . وقد تناولت الدراسة أنواع القافية وإمكانات ورود هذه الأنواع في الشعر العربي بعامة من خلال صور البحور المختلفة من حيث الأعاريض والأضرب ، وإمكانات ورود هذه الصور في شعر امرئ القيس مع التمثيل لها ـ أو لما ورد منها ـ من شعره . ثم دراسة حروف القافية وحركاتها ، وبعد ذلك دار الحديث حول