التراث الأدبي مليء بالآداب المتنوعة، وأدب الحيوان أحدها، وهو ما شغل المهتمين منذ القدم، ربما أبرزها كتاب الحيوان للجاحظ، وأدب الحيوان لا تكمن أهميته في عجائبيته فحسب، بل بما يكتنزه وما يخبئه خلفه من رسائل وإشارات، لذلك لا عجب أن يكتسب كتاب "كليلة ودمنة" من ترجمة ابن المقفع أهمية كبيرة في التراث العربي.
في إحدى السنوات لفتت نظري كلمةٌ ألقاها أحدهم في أحد المنتديات الثقافية، ظلت تشغل تفكيري لسنوات، وهي كلمة "أدب الفئران"، وبقيتُ في حالةٍ من التأمل والتفكير باحثًا في هذا الموضوع، فلم أجد لهذا الباب من الأدب أثرًا أو شيئًا مختصًا عنه فيما يتعلق بفن القصة القصيرة أو التراث الحكائي إلا القليل كحكاية (الأسد والفأر)، وغير ذلك مما أفرده الجاحظ في كتابه "الحيوان"، فقد خصَّ فيه بابًا ذكر فيه سلوكيات الفئران وكل ما يتعلق بها من أخبار وأشعار، فهو كتاب عام في الأدب والثقافة والفقه.
ولأن الآداب التراثية تمثل هاجسًا لي، فقد أخذت مني اهتمامًا كبيرًا، ومن هناك جاءت فكرة هذه المجموعة.
ويأتي السؤال: لماذا الفئران بالذات؟ وهو سؤال مهم.
أليست الفئران تسكن بيوتنا، ويقاسموننا مساكننا وطعامنا؟، فتارة نراهم لصوصًا، وتارة أخرى نراهم فئران تجارب فيما يقدمونه من تضحيات تحت مشارط الباحثين والأطباء والعلماء من أجل أبحاثهم بغية الوصول إلى أحدث الأدوية والعقاقير النافعة للإنسان، فقط لأنهم يماثلون الإنسان تشريحيًّا وبيولوجيًّا.. والفئران دخلت عالم الأمثال العربية والميثولوجيا، فمن ورائهم تدفق سيل العرم، وأعيد تشكيل جزيرة العرب، ومن ورائهم كذلك كان الفارابي الفيلسوف العظيم قد اكتشف عالمًا جديدًا للموسيقى.
دائمًا ما يراودني ويشغل ذهني وتفكيري ذلك السؤال المراوغ والمُلِحُ معًا: هل للفئران ضرورة؟
من واحة الأحساء وعمق تاريخ باسقات نخيلها؛ حيث الأدب والشعر والحضارة؛ تلتقيكم مكتوب للنشر بما تنتقيه من الكتب لتحتضنها أكفكم، نسعى لدعم الأفكار والمحتوى الإبداعي في كافة المجالات الأدبية والفكرية..