بفكر عميق و قلم شديد السلاسة- يحول امين سيرته الذاتية الى أداة سبر للمجتمع الذي نشأ فيه ..فإذا به يقارن بين ظروف نشأته و ظروف نشأة والده ومن ثم أولاده وأحفاده ، و يرجع الملاحظات الخاصة (التي قد تكون عادية و يعتبرها البعض عابرة) إلى ظواهرها وأصولها العامة فيربط الخاص بالعام ويتحول الفرد إلى مرآة عاكسة لمجتمعه.. ويتحول كتاب السيرة الذاتية إلى كتاب يتناول حياة أجيال بكاملها..
يتناول الكتاب بعض التفاصيل الشخصية ولكن بهذا الربط الحيوي والذكي مع الأسباب العامة، عندم يتحدث عن أخوته الثمانية و الاختلاف في شخصية كل منهم رغم نشوئهم في بيئة واحدة يكاد يرسم “بورتريه” لكل منهم بطريقة شديدة الذكاء والصراحة أيضا.. ويتناول طبعا تحوله الفكري العميق و الهادئ من القومية في بواكير شبابه إلى الاشتراكية إلى المادية الوضعية إلى أن وصل إلى مرحلته الأخيرة في نظرته الإيجابية والمتعاطفة مع الدين عموما والإسلام خصوصًا، و هي نظرة اخرجته من صف اليساريين ولكن لم تضعه بالضبط في خانة “الإسلاميين” وأن كان واضح التعاطف معهم..
في الكتاب مواقف كثيرة يقدمها الكاتب بهذه الطريقة العبقرية التي تجعل القارئ يستعيد حياته الخاصة و يحاول ربطها بالاطار العام الذي يعيش فيه ، من أجمل ما كتبه المؤلف وهو يحكي عن الجيل الرابع من أسرته ”أولاد الاحفاد”: اتساءل ماذا كان سيكون شعور أبي لو علم ان واحدا من احفاده سيكسب رزقه من الغناء بالإنكليزية أغاني تروج لصابون امريكي مشهور في واحدة من القنوات العربية؟!
سيرة جلال أمين ( ومعها كتاب المسيري: رحلتي الفكرية) هما من أهم ما كتب في السير التي صدرت في العقدين الأخيرين فكل منهما لا يؤرخ لسيرة ذاتية بل لسيرة مجتمع و مسيرة تطوره الفكرية.
نواس متجر إلكتروني تأسس في فبراير 2022، هدفنا هو خدمة القارئ العربي، وذلك من خلال توفير عناوين مميزة بأسعار مناسبة للجميع، بالإضافة إلى توفير خدمات متعددة من حيث الدفع والتوصيل.