حقيقة
9 ر.س
رواية حقيقة.
تأليف : كولين هوفر.
عدد صفحاتها : ٢٩٩.
"أسمعُ صوتَ تهشّمِ جمجمتهِ قبل أَن يصلَني رذاذُ الدّم. أشهقُ ثُمّ أخطو خطوةً سريعةً إِلىٰ الوراء بِاتجاه رصيفِ المشاةِ. قدمي تغوصُ، وكعبُ حذائي لا يكملُ السيرَ معي ما يجعلني أمسكُ بِوتدِ شارةِ ممنوع الوقوف خوفاً مِن فقدان التوازن. كان الرّجلُ يقفُ أمامي مُنذُ ثوانٍ فقط. وكُنّا بين حشدٍ مِنَ النَّاس ننتظرُ شارةَ العبورِ كي تومضَ، حين فجأةً اجتازَ الرّجلُ الشّارعَ قبل الأوانِ، ما تسبّبَ بِاصطدامِ شاحنةٍ مُسرعةٍ بِجسدِه. اندفعتُ إِلىٰ الأمام أحاولُ إيقافَه، لَم أستطعْ الامساكَ بِشيءٍ، ورأيتُه يهوي أرضاً.
أغمضتُ عينيّ قبل أَن يصبحَ رأسَه تحت العجلةِ، لكنّني سمعتُ شيئاً يطقطقُ كصوتِ فلّينةِ الشامبانيا. اللّومُ، كُلّ اللّومِ، يقعُ علىٰ هذا الرّجل، إذْ كان ينظرُ لامبالياً إِلىٰ هاتفه الخليوي، ربّما لأنّه كان قد عَبرَ الشّارعَ ذاتَه مراتٍ عديدةً مِن قبل، مِن دون وقوعِ أيّ حادثٍ له. لعلّه الموتُ بِفعلِ الرّوتين. النَّاسُ يشهقون مثلي ولكن لا أحدَ يصرخُ أو يصيح. سائقُ الشاحنةِ المُعتديةِ يقفزُ مِن خلف مقودهِ ويجثو، علىٰ الفور، أمام الرّجل المسجّىٰ. أبتعدُ قليلاً عَن المشهدِ فيما عددٌ مِنَ الأشخاص يتدافعون نحو الأمام يُريدون المُساعدة.
لَم أكن بِحاجةٍ لأن أنظر إِلىٰ الرّجلِ المُمدّد تحت العجلة لأعرفَ أنّه لَم ينجُ مِنَ الحادث. كان يكفي أَن أنظرَ إِلىٰ قميصي النّاصع البياض –بقعُ الدّم تلطّخُه الآنَ– لأعرفَ أَنَّ نقّالةَ النعشِ تنفعُهُ الآن أكثر مِن سيارةِ الإسعافِ. أدورُ حول نفسي مُحاولةً الابتعادَ عَن الحادث –علّني أجدُ مكاناً أتنفّسُ فيه الصعداءَ– لكنّ إشارةَ المرور، الآن، تقولُ «اعبرْ»، وجمهرةُ النّّاس تنتبهُ إِلىٰ الضّوءِ الأخضرِ ما جعلَ السباحةَ عكس التيار والعودة إِلىٰ الخلف أمراً مُستحيلاً فِي خضمّ هذا النهرِ المُتدفّقِ مِن سكّان مانهاتن. البعضُ منهم لا يرفعُ بصرَهُ عَن جهازِهِ الخليوي، فِي أثناء العبورِ قرب موقعِ الحادث. أتوقّفُ عَن السّير نحو الأمام، وأنتظرُ كي يخفَّ الحشدُ. أُلقي نظرةً إِلىٰ الخلف بِاتجاه الشاحنة، وأتجنّبُ مُشاهدةَ الرّجل المسجّىٰ هُناك. سائقُ الشّاحنةِ يقفُ الآنَ خلف مؤخّرة سيارته، ويرمقُ هاتفاً خليوياً بين يديه."
متجر متخصص في تجارة المنتجات الرقمية ، نساعدك بتحقيق مصدر دخل والبدء بتجارة المنتجات الرقمية