لم تزل التفكيكية تمارس سحرها الأخاذ ليس على المناهج المعرفية فحسب وإنما اتسع التأثير التفكيكي ليصبح موشوراً فكرياً مميزاً تعكس ألوانه أطياف المنجزات الإنسانية في الحقول الفلسفية والثقافية والنقدية والأدبية والجمالية.
وبما أن التفكيك إستراتيجية حياة، فإنه لم يقصر تأثيره على المجالات أعلاه فقط، بل شملت مجسماته وأجهزته ومباضعه الجسد الأخلاقي والسياسي العليل وحاولت أن تمارس دور الطبيب المتمرس، لتشخص العلل وتوصف الداء وتقترح الدواء، وكأن دريداً في ردائه الأبيض الذي يستمد بياضه من بياض شيبه الفضي يعاين الجسد المتمدد أمامه طولاً وعرضاً، مشيراً إلى صيدلية أفلاطون التي تمد الجسد – الحضارة بالدواء الذي يحمل قوة الداء، غير أن الداء (الميتافيريقا) الذي شل الحضارة أصبح مستعصياً على العلاج كما أن التدخل الجراحي في بتر الأعضاء يشوّه هذا الجسد المتناسق والمتهالك، فما السبيل يا ترى والعالم يفقد الثقة شيئاً فشيئاً في الطبيب وأساليبه وفي العلاج وعقمه؟
إنه التفكيك، يقول دريدا بضرس قاطع، فهو فعالية وفاعلية، فعالية من ناحية أنه عملية تشخيص الآلام وسحبها من دون بتر عضو من أعضاء الجسد وتشويه التناسق، ناهيك عن علاج العلة، كما حاولت بذلك فلسفات البدائل الحداثية، وفاعلية من ناحية قوة تمكنها من تحريك هذا الجسد المتهالك عبر بث الإرادة فيه، من خلال السحر والشعوذة التفكيكية.
في هذه الدراسة المعنونة (( التفكير السياسي في فلسفة جاك دريدا)) سيجد القارىء دريدا غير ما ألفه في دراساته التفكيكية النظرية، إذا أجيز لنا استعارة هذه المفاهيم الكانطية، وعدم الألفة هذه لا تعني استبدال دريدا بدريدا آخر، وإنما متابعة دريدا إلى آخر الدرب.
وللإحاطة بالموضوع، توزع الكتاب على اربعة فصول جاءت وفق ما يلي:
الفصل الأول: المناورات التفكيكية في الخطاب الفلسفي الغربي.
الفصل الثاني: الرشيف الماركسي بين الوفاء له والحداد عليه.
الفصل الثالث: أحداث (11 أيلول) فلسفياً.
الفصل الرابع: ثلاثية التفكيك السياسي (الصداقة، التمييز، القانون).